فإنّ الله قد اصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق, وأوجب على عباده اتباعه وتوقيره ومحبته وتعزيره, قال تعالى: ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﭼ([1])، بل جعل ذلك أصلاً في الإيمان, وركناً في الشهادتين لا يتمّ إيمان العبد ولا إسلامه إلا بتحقيق هذا الأصل العظيم.
وإن لمحبة النبي r وتوقيره مظاهر عديدة, ومن ذلك شدّ الرحال إلى مسجده, ومن ثمّ التشرف بالسلام عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما.
ولكن فئاماً من الناس تنكّبت الصراط السويّ في المحبة والتوقير, بين الغلو والجفاء, يظهر ذلك جلياً في زيارة الحجرة النبوية والسلام على النبي r وصاحبيه رضي الله عنهما, حيث صاحبت هذه الزيارة الكثير من المخالفات العقدية، فاعتقد بعض الناس في هذا القبر النفع والضر، من دون الله تعالى, وصرفوا أنواعاً من العبادات التي ينبغي أن لا تصرف إلا لله وحده لا شريك له؛ كالدعاء, والاستغاثة, والنذر, والذبح, وطلب الشفاء, وغيرها.
وانحرف فئام منهم في الجانب التعبدي عند زيارتهم للحجرة النبوية, كما صحب هذه الزيارة بعض التجاوزات السلوكية والأخلاقية.
إن المدينة النبوية مدينة رسول الله r هي المدينة التي انطلقت منها الدعوة بعد هجرة رسول الله r إليها؛ ولذلك سميت دار الهجرة، وانطلقت منها الدعوة إلى الإسلام وإلى العقيدة الصحيحة التي هي أساس هذا الدين، وكان فيها الأنصار الذين نصـروا رسول الله r في دعوته إلى هذه العقيدة ثم التابعين ثم أتباع التابعين، وكان من هؤلاء الأئمة الذين حملوا العلم ونشروا الإسلام والعقيدة الصحيحة، ولا يزالون يشكلون المثل الأعلى علماً وسلوكاً في المدينة النبوية ( دار الهجرة ) الإمام مالك بن أنس – رحمه الله -، ونظراً لما لهذا الإمام من مكانة ورفعة في المدينة النبوية سمي إمام دار الهجرة، وقد استحق هذا اللقب؛ لأنه كان من العلماء الذين هيأهم للدعوة إلى الإسلام ونشر العلم، وبيان العقيدة الصحيحة، والدعوة إليها، والدفاع عن هذا الدين، وإظهار السنة، وقمع البدعة والرد على أهل البدع والضلال، حتى كان علماً على اتباع السنة وذم البدعة، حتى قال الإمام أحمد: إذا رأيت الرجل يبغض مالكاً فاعلم أنه مبتدع. وقال ابن مهدي: إذا رأيت الحجازي يحب مالكاً فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت أحداً يتناوله فاعلم أنه في خلاف.
أهمية الموضوع ترجع إلى الأمور الآتية:
الدعوة إلى التوحيد وحماية جنابه من الشرك ومن الذرائع الموصلة له من أهم واجبات الداعية إلى الله تعالى، وهي من أولى أولوياته, والاحتساب على المنكرات الظاهرة من الواجبات على الأمة الإسلامية, تأثم بتركه, ويسقط الإثم إذا قام به من يكفي على الوجه المشروع .
والاحتساب إعذار لله تعالى, وتبليغ الحق للمحتسب عليه, وبه كمال الدين, ولولا الله وحده ثم القيام بواجب الاحتساب لعمت الفوضى, وانتشرت الضلالة, واختلط الحابل بالنابل, ولما عُرف الحق من الباطل, ولا السنة ومن البدعة, ولا التوحيد من الشرك.
ومن أجل ذلك قمت بدراسة حديث أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه, دراسة عقدية ودعوية, لأنفع نفسي أولاً , ومن يطلع عليه ثانياً, والله أسأل أن يوفقني ويسدد خطاي إنه سميع قريب مجيب الدعوات , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..