المقدمة
الحمد لله القريب المجيب، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد :
فإن أشرف العلوم علم التوحيد، ومنه علم الأسماء والصفات، فشرف العلم بشرف المعلوم، وحاجة العباد إليه فوق كل حاجة، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة؛ لأنه لا حياة للقلوب، ولا نعيم ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبودها وفاطرها بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه ([1]).
" والعلم النافع ما عرّف العبد بربه، ودلّه عليه حتى عرفه ووحّده وأنس به، واستحى من قربه، وعبده كأنه يراه " ([2]).
" والعلم النافع يدل على أمرين :
أحدهما: على معرفة الله، وما يستحقه من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته ومحبته ورجاءه، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه.
والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال.
فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا، فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعاً، ووقر في القلب؛ فقد خشع القلب لله، وانكسر له، وذلَّ هيبةً وإجلالاً، وخشية ومحبة وتعظيماً، ومتى خشع القلب لله وذل وانكسر له؛ قنعت النفس بيسير الحال من الدنيا، وشبعت به، فأوجب لها ذلك القناعة والزهد في الدنيا، وكل ما هو فان لا يبقى، من المال والجاه وفضول العيش الذي ينقص به حظ صاحبه عند الله من نعيم الآخرة، وإن كان كريماً على الله " ([3]).
فيتضح من ذلك أهمية وشرف العلم بالأسماء والصفات، وأنه علم نافع للعبد، يوجب المسارعة إلى ما يقربه إلى الله U.
ومن أنواع الصفات التي يتصف الله U بها الصفات الاختيارية ([4])، ومن أبرز هذه الصفات لله المتعلقة بمشيئته وقدرته تعالى: صفة القرب، فقد جاء إثبات هذه الصفة في القرآن والسنة، وجاءت في كلام الصحابة -رضوان الله عليهم- والتابعين، وتكلم الأئمة والعلماء عن معنى قرب الله وأنواعه والأدلة عليه، وعلاقة القرب ببعض الصفات، كما رد الأئمة والعلماء على بدع المبتدعة في هذه الصفة الجليلة.
ولأهمية هذا الموضوع آثرت أن أفرده بدراسة عقدية تتكلم عن هذه الصفة من جوانبها العقدية، يكون عنوان هذه الدراسة: صفة القرب لله U بين أهل السنة والمخالفين.
الخطة العامة للبحث
جعلت البحث في مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة، وفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات .
المقدمـة، وفيها بيان أهمية الموضوع، وأسباب بحثه، وخطة البحث، ومنهج البحث، والدراسات السابقة.
والتمهيـد، وفيـه :
أولاً: عقيدة أهل السنة في الصفات بإيجاز.
ثانياً: أنواع الصفات.
الفصل الأول: عقيدة أهل السنة في القرب، وفيه مبحثان :
المبحث الأول: مجمل عقيدة أهل السنة في القرب.
المبحث الثاني: أنواع القرب.
الفصل الثاني: الأدلة على صفة القرب، وبيان كلام السلف في هذه الصفة، وفيه مبحثان :
المبحث الأول: الأدلة على صفة القرب.
المبحث الثاني: بيان كلام الأئمة على هذه الصفة.
الفصل الثالث: علاقة صفة القرب ببعض الصفات، وآثار الإيمان بصفة القرب، وفيه مبحثان :
المبحث الأول: علاقة صفة القرب ببعض الصفات.
المبحث الثاني: آثار الإيمان بصفة القرب.
الفصل الرابع: آراء المبتدعة في صفة القرب ونقضها، وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: معطلة الجهمية وأكثر المعتزلة.
المبحث الثاني: حلولية الجهمية وبعض المتصوفة.
المبحث الثالث: الأشاعرة والماتريدية والكلابية والفلاسفة وغيرهم.
الخاتمـة، وفيها أبرز النتائج التي توصلت إليها في البحث، ويليها فهرسا المصادر والموضوعات.
([1]) شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز ص5-6. وينظر: أحكام القرآن، لابن العربي 2/993.
([2]) من "فضل علم السلف على الخلف" لابن رجب ص67 .
([3]) فضل علم السلف على الخلف ص64-65.