• الفلاتر

فإنّّ ((ولاية الفقيه)) من أهم العقائد الشيعية التي ذاعت في زمننا المعاصر، حيث رجا منها بعض الشيعة أن تسهم في سدِّ الفجوات العميقة التي تلاحق عقائدهم أينما حلوا؛ وذلك لأنّ كثيراً من أصول الشيعة ((تتميز بأنّها وليدة الحاجة، فكلما ضاقت بهم السبل في ضلالاتهم، اخترعوا عقيدةً تلمُّ شعثهم، وتجمع شتاتهم، وتؤمِّن البقاء والاستمرار لدعاويهم الزائفة ومصالحهم الكثيرة))

إذا نظرنا إلى تراث الصوفية ولاسيما الغلاة منهم ، فإننا نجد الحال يختلف لا من جهة الاهتمام بالخوارق، ولا من جهة الخروج بالولاية نفسها عن المعاني الشرعية، حيث أدخلوا فيها أموراً جديدة لا علاقة لها بالمعاني التي تفيدها كلمة «ولي الله » في القرآن والحديث، بل إنها  تتمحور حول خدمة أغراض أخرى مثل تقديس أشخاص معينين إما من آل البيت، أو من متصوف يرجعون نسبه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم , لاستعطاف الناس واستغلالٍ لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في قلوب الناس ، وإذا كان هذا في الأصل قد نشأ على أيدي الشيعة فقد امتد إلى الصوفية التي نبتت في أول أمرها في بيئة شيعية من أرض فارس والعراق حتى صار الكثير من المصطلحات الشيعية دارجة في كلام المتصوفة بنفس المعاني والدلالات، كالعصمة والحفظ ، وكذلك خرق العادة الخاص بالأولياء وحدهم كما هو للأئمة عند الشيعة ، حتى صارت كلمة «ولي» أو إمام ، أو «أولياء» في الإطلاق العام تعني رجال التصوف أو الشريف أو السيد المنتسب إلى آل البيت

لقد كرم الله الإنسان بالعقل ، وفضله على كثير من خلقه ، وجعله مكلفاً ومحاسباً على أعماله إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ .

ولكن بعض بني البشر يفرط في استخدام العقل ، ويخضع معايير المصالح والمفاسد لعقله ، ويربطها بمقدار المصالح الشخصية التي يكسبها ويتحصل عليها من خلال تصور نسبي أو ميل نفسي أو حدس شخصي .

ولقد طغت على كثير من المفاهيم تلك الإيديولوجيات التي تحدد معاير الصحة والصدق بمقدار ما تُحَقِّقُ من منافع ومكاسب. ومن تلك الإيديولوجيات : (البراجماتية)، حيث ظهرت كفكرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وإن كانت ، كتطبيق إنساني ، قد سبقت ذلك بمراحل ، كما هو الحال في أية نظرية أو تطبيق .

ولقد تغلغلت تلك الأيديولوجية في معظم شؤون الحياة ، وتبنى أفكارها كثيرٌ من المثقفين، وطبق نظريتها كثير من أبناء البشر .

ولكن هذه النظرية – من وجهة نظري – هي من الخطر بمكان ، إن لم نفرق بين أجزائها ، ونلقِ الضوء عليها، ونُزِلْ ما قد يقع في أذهان البعض من شبهات ، عندما يرى عباراتها المعسولة ونتائجها المقبولة ، ويغفل عن اللوازم المترتبة على ذلك ، ويتغاضى عن الطريقة التي سارت فيها ، لتصل إلى تلك النتائج .

وحين قلّ اعتصام النَّاس بالكتاب والسنَّة، بدأت البدع بالظهور، واشرأبَّت رؤوس أصحابها ، وظهرت الفرق المخالفة للكتاب والسنَّة، تصديقاً لخبر المعصوم r الذي أخبر عن تفرُّق أُمَّته([1]) .

ولم يقف علماء الأمَّة من هذه الفرق موقف المتفرِّج ، بل أخذوا يُظهرون عوارها، ويُبيِّنون ضلال أصحابها ، ويدعون الضالّ التائه إلى الهدى ، ويصبرون من المخالفين لهم على الأذى ، ويُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون بنور الله أهل العمى .

وتتابعت الفرق المحدَثة بالظهور ، وأخذت المذاهب الهدَّامة ، والتيارات الإلحادية تغزو بلاد المسلمين في عقر دارهم، لا سيّما في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم وتداعت الشعوب -من كلّ حدبٍ وصوبٍ- على المسلمين .

 

([1]) وهو حديث مُعَاوِيَةَ t  ويقول فيه: أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَامَ فِينَا فَقَالَ :"ألا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ؛ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ؛ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْـوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ، ولا مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ". أخرجه أبو داود في السنن 5/5، كتاب السنَّة، باب شرح السنَّة، حديث 4597. وأحمد في المسند 4/102، مسند الشاميّين، ح 16329. والحاكم في المستدرك 1/128، ك العلم. وقال بعد ما ساق هذا الحديث، وحديث أبي هريرة:"هذه أسانيد تُقام بها الحجَّة في تصحيح هذا الحديث". ووافقه الذهبي. والحديث ((صحيحٌ، مشهورٌ في السنن والمسانيد؛ كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي))؛كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(مجموع الفتاوى3/345).