• الفلاتر

عندما نشتري كتابا كُتِبَ أصلاً  باللغة الإنجليزية فإننا نفترض أنّ الترجمة العربية هي تعبير صادق عن ما قاله المؤلف لكن  بلغة مختلفة. هذا هو ما يظنه المسيحيون ([1]) فيما يتعلّقُ بكتب العهد الجديد؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالعهد الجديد فإن الأمور لَيستْ بتلك البساطةِ.

إن اللغة الأصلية للعهد الجديد هي اللغة الآرامية، وجميع ما لدينا من مخطوطات العهد الجديد هو باللغة اليونانية، إذن هذه المخطوطات هي ترجمة للعهد الجديد، والترجمة عملية تفسيرية تقابلها صعوبات وتحديات متعددة منها:

  • «إن كل كلمة في أية لغة تحمل عادة معاني عديدة، وعلى المترجم في حال كهذه أن يختار معنى واحدا، يستخدمه في ترجمته، إذن على ماذا يستند المترجم عندما يختار ذلك المعنى الواحد من بين المعاني المتعددة؟ إنه يختار ذلك المعنى الذي يشعر أنه يتفق مع فكرة القرينة، لكن هل يكون مصيبا دائما في اختياره ؟ إنه يظن ذلك، لكن قد يكون هناك من يخالفه الرأي …المترجم كائن بشـري عرضة للخطأ وكلنا خطاؤون ضعفاء ، إن الذي يحدث هو أن المترجم يقوم بتفسير العدد بالإضافة إلى ترجمته ، والقارئ الذي لا يعرف اللغة الأصلية للكتاب المقدس سيصبح تحت رحمة المترجم ….» ([2]) .
  • و « الترجمة مهما أبدع مترجمها ليست الأصل، وليس في الدنيا من في استطاعته ترجمة عمل دون تغيير في معالمه اللغوية التي هي في الأصل مركباته البنيوية التي تعطي للعمل الأصلي نصف ما جاء به من منظور الحياة … ففي الولايات المتحدة جمعية تخصصت في مراجعة وتدقيق ترجمات الكتاب المقدس وأكدت أن كل عصر وأن كل حكم لعب دورا في تفسير معطيات الكتاب » ([3]) .

فالترجمة مهما بلغت من الإتقان؛ ولو مع وجود الأصل، لا يمكن أن تعتبر بديلا عنه، فكيف عند فقده.

  • وفيما يتعلق بالعهد الجديد خاصة: فكما أنه لا شيء من النسخ التي نملكها أصلية، و لا شيء من المخطوطاتِ التي نملكها نُسِخَ من نسخِ أصلية. ولا حتى نُسِخَ من نسخٍ من نسخٍ أصلية؛ ولا شيء من النسخِ التي عنْدَنا تتشابه مع أيّ مِنْ النسخ الأخرى، فإنه لا شيء من النسخ التي نملكها بلغة الأصل بل هي ترجمات للأصل. ([4])

 

([1]) هذه التسمية وردت علماً على أهل هذه الديانة في العهد الجديد ثلاث مرات، الأولى والثانية في سفر الأعمال (26/11- 28/26) والثالثة في رسالة بطرس الأولى (14/4)، وفي كل المرات الثلاث من أطلق هذا الاسم هم غير "المسيحيين" على سبيل الاحتقار، ولم ترد هذه التسمية عن المسيح أو أحد من تلاميذه، وبينما التسمية الإسلامية لهذه الديانة هي النصرانية، إلا أنهم يرفضون هذه التسمية باعتبارها خطأً تاريخياً، ربما ليطعنوا في القرآن، ورغم ثبوت هذه التسمية تاريخيا في مصادر النصرانية الأولى، ورغم أنني لا أستجيز نسبتهم للمسيح عيسى بن مريم – عليه السلام – إلا أنني سوف أستخدم هذه التسمية باعتبارها علماً على هذه الديانة بغض النظر عن صحة النسبة.انظر:

Laurence, B. Brown, MD: The First and Final Commandment, pp. 27-28.

 

([2]) القس د.كينيث بايلي: مقدمة كتاب الفهرس العربي لكلمات العهد الجديد للقس غسان خلف  ط دار النشر المعمدانية بيروت 1979 :ص 16

([3]) د. رضا الجمل: الترجمة بين الفن والفهلوة : مقال منشور في صحيفة الأهرام المصـرية في 20|2\1984.

([4]) ملحق بالبحث قائمة بأهم هذه المخطوطات حتى القرن السادس، ولمعرفة القضايا التي تتعلق باختلاف النصوص في العهد الجديد: انظر:

Bruce Metzger: The Text of The New Testament, p. xv., Bart Erhman: Misquoting  Jesus, the Story Behind who changed the Bible and why?, p. 5, John William Burgon: the Causes of the corruption of the traditional Text of the Holy Gospels, Cosimclassic, New York.

 

فإنَّ من المسائل المهمة التي تحتاج من وجهة نظري لإبراز ومزيد عناية ومناقشة مسألة موقف أهل الكتاب من اليهود والنصارى من قضية «النسخ»، التي من خلالها طعنوا في الإسلام، والقرآن، وما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأنكروا نبوته، ورموا ما جاء به بالتناقض والاضطراب.

قال المستشرق الألماني نولدكه في دائرة المعارف الاسلامية: « وكان همّ المفسرين المتأخرين التخلّص من المتناقضات العديدة الواردة في القرآن، والتي تصور لنا تدرج محمد في نبوته، إما بما عمدوا اليه من التوفيق فيما بينها، وإما بالاعتراف بأن الآيات المتأخرة تنسخ ما قبلها، وذلك في الآيات التي يشتدُّ فيها التناقض بين تلك الآيات »([1]).

ومن خلال هذه الدراسة سأبين –بإذن الله- موقف وعقيدة اليهود والنصارى في النسخ، ثم أناقش عقيدتهم من خلال كتبهم التي هم بها مقرون، وعنها ينافحون، وأجيب على أهم الشبهات التي طرحوها حول النسخ، وسأتكلم أيضاً عن النسخ وتعريفه، ووقوعه، وأهم حِكمه، وأهم ما يتناوله، وذلك كله في ضوء الإسلام، ووفق منهج علمي موضوعي، قائم على الدليل والبرهان، موثق الموارد قدر الإمكان.

 

([1]) دائرة المعارف الإسلامية ( 2 / 273 ).

بيان سبق المسلمين في المناهج العلمية التجريبية وبيان تأسيسهم للمنهج الحضاري الذي أقيمت عليه حضارة الغرب اليوم، وذلك بأخذ أنموذج لعلم من أعلام الفكر الإسلامي ومقارنة بعض آرائه ببعض آراء رواد الفكر الغربي الذين أسسوا المنهج العلمي للغرب للتدليل على ريادة المسلمين فكريا وحضاريا.