إن دراسة المصطلحات الإسلامية من الموضوعات ذات الأهمية البالغة التي تتوجب العناية بها، ولا سيما فقد بُليت الأمة الإسلامية في الماضي والحاضر بفتنة الجناية عليها، وذلك بتحريف معانيها أو تبديلها بمفاهيم جديدة تحمل بين طيّاتها معان فاسدة، وآراء مشبوهة، تفتن المسلمين في عقيدتهم، وتلبّس عليهم الحق، وتُبعدهم عن الصواب، وتَنأى بهم عن الجادّة الحقّة.
ومن المعلوم « أن من أكبر مخططات أعداء الإسلام هو إضلال المسلمين من خلال ممارسة ما يسميه البعض بـ(حرب المصطلحات) فهي حرب حقيقية، بل هي أخطر الحروب التي تشنّ على المسلمين اليوم، فهي تشكل أدق مواقع الغزو الثقافي للأمة »([1]) .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا وبعد:
فإن توحيد الله بالعبادة أول دعوة الرسل، وأول واجب على المكلف، وهو الذي خلق الناس لأجله، ولأجله أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولهذا صار من أعظم الواجبات على الناس معرفته، ومعرفة ما ينافيه؛ من أنواع الشرك الأكبر والأصغر، ولما كان الشرك الأصغر يخفى على كثير من المسلمين الموحدين؛ عزمت على كتابة هذا البحث لبيان تعريفه، وخطورته، وأشهر صوره التي ظهرت في هذا الزمان وأسميته: « الشرك الأصغر، وخطورته، والتحذير منه ».
يتضمن البحث الحديث عن الشبهة التي قام عليها مذهب التعطيل، ونفت المعطلة لأجلها صفات الله تعالى، وهي: أن ظواهر نصوص الصفات يوهم التشبيه والتمثيل، فوجب حينئذٍ صرفها عن ظاهرها وتأويلها.
وقد تم رد هذه الشبهة من خلال خمس نقاط، وهي كالتالي:
-بيان أن ظواهر النصوص حق موافق لمراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
-بيان أن الاتفاق في الأسماء لا يلزم منه الاتفاق في المسميات.
-بيان المحاذير اللازمة لمن نفى الصفات بحجة أن ظاهرها يوهم التشبيه.
-بيان أن النفي المحض، لا يتضمن مدحاً ولا كمالاً.
-بيان أن إثبات الصفات لا يستلزم باطلاً.
والجرائم العقدية هي بلا شك من أعظم مفسدات الدين، فإن أول جناية وأعظمها للجرائم العقدية إنما تتوجه إلى الدين ، ثم يمتد الأثر حتى يأتي على باقي الضرورات.
ومن هنا عقدت العزم على كتابة هذا البحث الذي عنوانه : (الجرائم العقدية ونظام الإسلام في منعها « جريمة الردة أنموذجاً») أقف فيه إجمالاً على الجرائم العقدية وطرق علاجها، ثم أفصل القول في جريمة الردة مبيناً نظام الإسلام في منعها.