تتابعت الفرق المحدَثة بالظهور ، وأخذت المذاهب الهدَّامة ، والتيارات الإلحادية تغزو بلاد المسلمين في عقر دارهم ، لا سيّما في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم وتداعت الشعوب -من كلّ حدبٍ وصوبٍ- على المسلمين .
ومن هنا برزت أهميَّة دراسة تلك الفرق والتيارات ، ومعرفة أخطارها على أمَّة محمَّد r ، بل على البشرية جمعاء .
فأعداء المسلمين يعملون على نشر الأفكار، والاتجاهات، والمذاهب، والديانات الباطلة بين المسلمين. والمسلمون إن لم يُبصَّروا بهذا كلِّه، ويعلموا ما يدور حولهم، ويُخطَّط لهم ، ويُنشَر بينهم من الآراء والاتجاهات الضالَّة ، وإن لم يُعطوا العلاج الناجع المتمثِّل في العقيدة الصافية التي تُحصّنهم ـ بإذن الله ـ مـمَّا يُخالفها ، يُخشى عليهم أن يقعوا في شباك أعدائهم ، فيخسروا دينهم ودنياهم .
من أجل سـور القرآن سورة الكوثر، قال شيخ الإسلام ابن تيمية([1]) -رحمه الله-: سورة الكوثر، ما أجلها من سورة؟ وأغزر فوائدها على اختصارها ([2]).
وقد اشتملت هذه السورة على معاني التوحيد والعقيدة بأوجز عبارة.
ولأجل اشتمال هذه السورة العظيمة على بعض مباحث العقيدة المهمة بأوجز عبارة، رأيت من المهم بحث المسائل العقدية الرئيسة الواردة في هذه السورة
([1]) هو أحمد بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن علي، الشيخ الإمام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية، ولد سنة 661هـ وتوفي سنة 728هـ. ينظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي 4/278،وفوات الوفيات للكتبي1/35 والبداية والنهاية، لابن كثير 18/295، والبدر الطالع 1/63، ومعجم المؤلفين 1/163.
مسألة الجهل بمسائل العقيدة : هل يكون عذراً فيرتفع به الإثم والعقوبة، أم لا يكون كذلك؟ من المسائل التي يدور حولها اللغط والكلام كثيراً، وقد صارت هذه المسألة مسارَ جدلٍ أدى إلى وقوع التشاحن والتباغض والتهاجر والتقاطع، حتى بين أهل المنهج الواحد من أهل السنة، وذلك بسبب عدم العلم بمراتبها من الدين؛ هل هي من مسائل الأصول التي يُضلّل بها المخالف، أم هي من مسائل الفقه الفرعية التي تكون بحسب اجتهاد القائل؛ فلا يقع فيها تبديع أو تفسيق؟ وهذا ما سنقرره إن شاء الله قريباً.
فلأهمية بيان ذلك أحببت الإسهام في توضيح هذه المسألة بقدر المستطاع، والله يرحم ضعفنا وتقصيرنا.