في بيان صلة هذه المسألة بمسائل العقيدة، مع بيان متى ظهر الانحراف فيها، وظهور كلام السلف فيها
هذه المسألة هي في الأصل من مسائل الفقه كما سيأتي([1])، ووجه دخولها في مسائل الاعتقاد أنها طريق ووسيلة لمعرفة الأسماء والأحكام، لأنها تبحث في تحقيق كفر المعيّن، من أجل تطبيق الحكم عليه بالكفر أو عدمه، أي: ((أن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع، أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات، أو وجود بعض الموانع» ا.هـ. ولهذا فهي تبحث في باب الردة من كتب الفقه.
وأيضاً: لما رتب عليها البعض من لوازم اعتقادية فاسدة، فجعل يوالي ويعادي عليها، وهذا لعدم فهمه بحقيقة مذهب المختلفين فيها، وسبب الخلاف بينهم([2]).
كما أن الخوارج اتخذوا من هذه المسألة تكاة، يدفعون بها عن مذهبهم القائم على التكفير، دون نظر إلى الشروط والموانع، حيث كان من عقائدهم : ((أن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل، أو تأويل، فإن تاب وإلا قتل؛ كان ذلك الخلاف فيما يَسع جهله، أو فيما لا يَسع جهلُه))([3]).
وأما ظهور كلام السلف فيها، فالذي يظهر أنه مع ظهور قول الخوارج القاضي بعدم العذر بالجهل مطلقاً.
يقول الحافظ أبو عمر ابن عبد البر -رحمه الله-: في شأن جاهل الصفات: «من جهل صفة من صفات الله عز وجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها، لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً ؛ قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله؛ وهذا قول المتقدِّمين من العلماء، ومن سلك سبيلهم من المتأخرين»([4]). أ.هـ.
فنسب القول بالعذر بالجهل إلى كلام المتقدمين من أهل العلم. والذي حصل فيه اللبس والتشويش زمن السلف هو التعطيل ونفي الصفات. أما أمور مسائل توحيد العبادة فكانت ظاهرة، ولذا لم يقع فيها اختلاف في عصرهم فلم يقع لهم قول فيها بعذر الجاهل.
وأما قول الشافعي –رحمه الله-: ((لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف، ويريح قلبه من ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين))([5]) فالمراد به أن الجهل ليس عذراً بإطلاق، ليس مراده نفي العذر بالجهل مطلقاً، بدليل قوله ((بعد التبليغ والتمكين)) ، فظاهره أنّ قبل التبليغ والتمكين يعذر، والله تعالى أعلم.
([1]) انظر: المطلب الرابع، مطلب مرتبة هذه المسألة من الدين.
([2]) انظر هذه اللوازم في ص: 22.