من العلماء العاملين العلامة الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي([1])، الذي أثرى المكتبة العلمية الشرعية بمؤلفاته، المنظومة والمنثورة والمختصرة والمبسوطة، وأثرى مجال الدعوة إلى الله تعالى، والعلم والتعليم بالتدريس وتخريج العلماء والقضاة والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمعلمين.
ومن تلك الثروة العلمية التي ورَّثها الشيخ ــ رحمه الله تعالى ــ رسالة في الشهادتين وشروطها وتحقيقها وهي: ( مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام ).
ولما قرأت هذه الرسالة الجليلة النفع " مخطوطة " أدركت حاجة الناس إلى إخراجها، والاستفادة منها خاصة وأنها تتعلق بالأصل الذي يجب على كل مكلف علمه
لقد كان لموقف الكنيسةِ من العلم والعلماء ونظرياتهم العلمية، أكبرُ الأثرِ في الصراع الذي حدث بين العلم والدين الكنسي في الغرب، -ولا زالت أوروبا تعاني منه حتى هذه اللحظة-؛ فالكنيسةُ جمدت عند النصوص التي لا صلة لها بالإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه السلام، بل ضمنت الأناجيلَ المعتمدة لديها بعض النظريات والفلسفات التي تعارضُ العقول، وتناقض بعض النظريات العلمية، هذا في حين تفتحت أذهان الناس لكثير من المكتشفات والحقائق التي يدعمها البرهانُ العقلي، ويصدقُها الواقع الحسي.
لقد كرم الله الإنسان بالعقل ، وفضله على كثير من خلقه ، وجعله مكلفاً ومحاسباً على أعماله إن خيراً فخير وإن شراً فشرّ .
ولكن بعض بني البشر يفرط في استخدام العقل ، ويخضع معايير المصالح والمفاسد لعقله ، ويربطها بمقدار المصالح الشخصية التي يكسبها ويتحصل عليها من خلال تصور نسبي أو ميل نفسي أو حدس شخصي .
ولقد طغت على كثير من المفاهيم تلك الإيديولوجيات التي تحدد معاير الصحة والصدق بمقدار ما تُحَقِّقُ من منافع ومكاسب. ومن تلك الإيديولوجيات : (البراجماتية)، حيث ظهرت كفكرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي ، وإن كانت ، كتطبيق إنساني ، قد سبقت ذلك بمراحل ، كما هو الحال في أية نظرية أو تطبيق .
ولقد تغلغلت تلك الأيديولوجية في معظم شؤون الحياة ، وتبنى أفكارها كثيرٌ من المثقفين، وطبق نظريتها كثير من أبناء البشر .
ولكن هذه النظرية – من وجهة نظري – هي من الخطر بمكان ، إن لم نفرق بين أجزائها ، ونلقِ الضوء عليها، ونُزِلْ ما قد يقع في أذهان البعض من شبهات ، عندما يرى عباراتها المعسولة ونتائجها المقبولة ، ويغفل عن اللوازم المترتبة على ذلك ، ويتغاضى عن الطريقة التي سارت فيها ، لتصل إلى تلك النتائج .
وحين قلّ اعتصام النَّاس بالكتاب والسنَّة، بدأت البدع بالظهور، واشرأبَّت رؤوس أصحابها ، وظهرت الفرق المخالفة للكتاب والسنَّة، تصديقاً لخبر المعصوم r الذي أخبر عن تفرُّق أُمَّته([1]) .
ولم يقف علماء الأمَّة من هذه الفرق موقف المتفرِّج ، بل أخذوا يُظهرون عوارها، ويُبيِّنون ضلال أصحابها ، ويدعون الضالّ التائه إلى الهدى ، ويصبرون من المخالفين لهم على الأذى ، ويُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون بنور الله أهل العمى .
وتتابعت الفرق المحدَثة بالظهور ، وأخذت المذاهب الهدَّامة ، والتيارات الإلحادية تغزو بلاد المسلمين في عقر دارهم، لا سيّما في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم وتداعت الشعوب -من كلّ حدبٍ وصوبٍ- على المسلمين .
([1]) وهو حديث مُعَاوِيَةَ t ويقول فيه: أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَامَ فِينَا فَقَالَ :"ألا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ؛ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ؛ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْـوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ، ولا مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ". أخرجه أبو داود في السنن 5/5، كتاب السنَّة، باب شرح السنَّة، حديث 4597. وأحمد في المسند 4/102، مسند الشاميّين، ح 16329. والحاكم في المستدرك 1/128، ك العلم. وقال بعد ما ساق هذا الحديث، وحديث أبي هريرة:"هذه أسانيد تُقام بها الحجَّة في تصحيح هذا الحديث". ووافقه الذهبي. والحديث ((صحيحٌ، مشهورٌ في السنن والمسانيد؛ كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي))؛كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(مجموع الفتاوى3/345).