وإذا كان الله تعالى قد حفظَ دينَ الإسلامِ من التحريف والتبديل، فإنه تعالى لحكمةٍ أرادها، وَكَلَ لأهلِ الكتابِ القيامَ بأمر دينهم، فكان ضلالهم، وانحرافهم، وتبديلهم، لأمر الله تعالى، وأمرِ رسله عليهم السلام، وما وقع هذا الانحراف والتحريف إلا بسبب اتباع الهوى، والبعدِ عن المنهج الحقِ والصراطِ السوي.
ومن الضلالات التي وقع فيها الغربُ نبذ الدينِ، والخروج على أوامره، والنفور من أحكامه. ولا شكَ أن موقف رجال الكنيسة وأفعالهم ([1])، كانت سبباً رئيساً في هذا التصادم مع الدين، وأعني به هنا "الدين النصراني المحرف"، وهذا ليس تبريراً لنفور الناس من الدين، أو التماس العذر لهم، ولكن نتيجة لتحجر الكنيسة، وسوء سلوك رجالها المشين، نفر الناس من الدين، ذلكَ لأن الكنيسة تمارسُ صلاحياتها- التي وهبتها لنفسها- وغطرستها، وطغيانها، وفرض هيمنتها على رقاب الناس باسمه، فكان لابد والحال هذه، أن يثورَ الناسُ، ويعلنوا الجحودَ والكفرَ بإله هذه الكنيسة ودينها؛ لأنها استعبدتهم، وفرضت القيود حتى على طريقةِ تفكيرهم، بل وقيّدت عقولهم، ومنعتها عن البحث إلا من خلال معارفها ونظرياتها، كما انفرد رجال الدين الكنسي بكشف الحقيقة، وتفسير النصوص الدينية، والاستئثار بإصابة الحق في فهمها، وإيضاح معانيها، وكأني بالكنيسة أرادت تعبيد الناس لها!!! فما حكمت له بالصحة فهو الصواب، وما حكمت ببطلانه فهو الكفر والإلحاد، فاصطدمت الكنيسة بكثيرٍ من الكشوف العلمية ، والنظريات، التي جاءت على خلاف ما يقرره كتابها المقدس، ورأت في النظريات العلمية - خاصة - تناقضاً مع نصوص إنجيلها، فوقع الصراعُ مع العلم باسم الدين، مع أن بعض النظريات لم تكن الكنيسة بحاجة إلى رفضها، أو تصديقها؛ فكلا الموقفين لن يؤثر عليها أو فيها، إذا كانت صاحبة حق، أو على ثقةٍ بما هو مدون في أناجيلها، ولو أن الكنيسةَ لم تعاد المستجدات والكشوف والنظريات العلمية "التي لا تتعارض مع الدين ولا تناقضه"، أقول: لو أنها وافقت على ذلك وقبلته، لما آل الأمرُ إلى ما وصل إليه من نبذٍ لها، وكفرٍ بدينها، والبحث عن بديل للإله الذي تسلطت باسمه.
([1]) ذكر "ول ديورانت" بعض ما كان عليه رجال الدين في العالم النصراني، وبعض ما كتب عنهم حتى وُصف الرهبــان بأنهم "خدم الشيطان"، منغمسون في الفسق وبيع الوظائف الدينية، وكثرة نفاقهم، وشرههم، وجهلهم،وغطرستهم. انظر : قصـة الحضارة (21/84). ترجمـة محمـــد بدران، دارالجيل، للطبــاعة والنشر، بيروت. تقــــول "كترين السينائية" : ( إنك أينما وليت وجهك – سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو غيرهم من رجال الدين، أو الطوائف الدينية المختلفة، أو الأحبــار من الطبقـات الدنيا أو العليا، سواء كانوا صغاراً في السن أو كباراً – لم تر إلا شراً ورذيلة، تزكم أنفك رائحــة الخطايا الآدمية البشعــــة، إنهم كانوا ضيقو العقــل، شرهين بخلاء00 تخلوا عن رعاية الأرواح ... اتخذوا بطونهم إلهـاً لهم... ويطعمـون أبناءهم من مال الفقراء...ويفرون من الخدمات الدينيـة فرارهم من السجــون ). قصة الحضارة (21/85 ).