فإنَّ من المسائل المهمة التي تحتاج من وجهة نظري لإبراز ومزيد عناية ومناقشة مسألة موقف أهل الكتاب من اليهود والنصارى من قضية «النسخ»، التي من خلالها طعنوا في الإسلام، والقرآن، وما جاء به محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وأنكروا نبوته، ورموا ما جاء به بالتناقض والاضطراب.
قال المستشرق الألماني نولدكه في دائرة المعارف الاسلامية: « وكان همّ المفسرين المتأخرين التخلّص من المتناقضات العديدة الواردة في القرآن، والتي تصور لنا تدرج محمد في نبوته، إما بما عمدوا اليه من التوفيق فيما بينها، وإما بالاعتراف بأن الآيات المتأخرة تنسخ ما قبلها، وذلك في الآيات التي يشتدُّ فيها التناقض بين تلك الآيات »([1]).
ومن خلال هذه الدراسة سأبين –بإذن الله- موقف وعقيدة اليهود والنصارى في النسخ، ثم أناقش عقيدتهم من خلال كتبهم التي هم بها مقرون، وعنها ينافحون، وأجيب على أهم الشبهات التي طرحوها حول النسخ، وسأتكلم أيضاً عن النسخ وتعريفه، ووقوعه، وأهم حِكمه، وأهم ما يتناوله، وذلك كله في ضوء الإسلام، ووفق منهج علمي موضوعي، قائم على الدليل والبرهان، موثق الموارد قدر الإمكان.
فإنَّ مناقشة مسألة « مؤاخذة الإنسان بجرم غيره عند أهل الكتاب » تعدُّ من الأهمية بمكان، لما سينتج عنها من هدم لأساس وركيز من أهم معتقدات وركائز النصرانية، الذي يعدُّه أهله عماد الإنجيل، والأساس الثاني في الدين؛ أعني بذلك: القول بصلب المسيح تكفيراً لخطايا البشرية، وهذا ما صرَّح به النصارى أنفسهم؛ حيث يقول القس فايز فارس؛ أحد علمائهم، في أثناء حديثه عن خطيئة آدم، وخلاص المسيح لها: « فلو أننا أزلنا من آدم هذه الوظيفة النيابية لهدمنا حقيقة جوهرية في كل نظام الفداء، وتدبير الله للخلاص، حسب ما هو مبين في الكتاب المقدس » ([1])، فانتفاء الصلب ومسبباته انتفاء وهدم للمسيحية(