تعريف بالبحث
يدور البحث حول من يعمل عملا مما يبتغى به وجه الله تعالى لغرض من أغراض الدنيا, كمن أسلم ظاهراً ليأمن على نفسه أو على أهله أو على ماله, أو أسلم ليتزوج امرأة, أو لينال منصباً مثلاً. كما يدخل فيه من عمل أعمالاً مما يبتغى بها وجه الله وحده: كالصلاة والصيام, وكان غرضه من أعماله الدنيا فقط,وهو مقر بالإسلام ديناً إلا أنه لضعف في نفسه أراد بأعماله الدنيا كأن يصل إلى رئاسة, أو يحصل على مال أو شهادة, ولولا هذا المقصد لم يعمل. ويدخل فيه من عمل الأعمال الصالحة ابتغاء وجه؛ ليس من أجل الناس وليس من أجل منصب أو جاه، ولا يريد بها الآخرة؛ ولكن ليجازى بها في الدنيا بحفظ ماله وتنميته أو حفظ أهله وعياله, أو إدامة النعمة عليه. ويدخل فيه من خلط نية الآخرة بالدنيا, كمن جاهد لإعلاء كلمة الله, وللمغنم, وحج لأداء الفرض وللتجارة, ويشمل أيضاً: وضع مسابقات في العلوم الشرعية وأخذ العوض أو الجوائز عليها: مثل المسابقة على حفظ القرآن الكريم, أو حفظ الأحاديث النبوية, أو المتون العلمية, أو أخذ جوائز على أفضل البحوث العلمية الشرعية, أو الحصول على جائزة في مجال خدمة الإسلام, أو الدعوة إلى الله, ومنه أيضاً: تأليف الكتب وإخراج البحوث الشرعية بهدف الترقية في مجال العمل, مع بيان حكم كل قسم بحسب ما أدى إليه اجتهاد الباحث, وهو إن كان صواباً فمن الله وحده جل وعلا, وإن جانب الصواب فمن النفس والشيطان, والله أعلم.
المقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى, وينهونه عن الردى, يحيون بكتاب الله تعالى الموتى, وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والردى, فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه, وكم من ضال تائه قد هدوه, فما أحسن آثارهم على الناس: ينفون عن دين الله عز وجل تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الضالين؛ الذين عقدوا ألوية البدع, وأطلقوا عنان الفتنة؛ يقولون على الله, وفي الله- تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً- وفي كتابه, بغير علم. فنعوذ بالله من كل فتنة مضلة. وصلى الله على محمد([1]). أما بعد:
فإن شرك الأغراض, قسم من أقسام الشرك الذي قد تخفى بعض أنواعه على بعض طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس؛ وربما يقع فيه المسلم, وتزل فيه قدمه وهو لا يشعر, ومن هذا الباب اخترت طرقه وبيان حقيقته وأنواعه, وما هو شرك من هذه الأنواع وما ليس بشرك, في ضوء النصوص الشرعية وأقوال علماء الأمة, وبحثنا هذا يتعلق بالباعث على العمل ابتداءً (في النيات والمقاصد), فيخرج منه من وقع في الشرك الأكبر كمن يتقرب إلى صاحب قبر بغرض حصول نفع أو دفع ضر, ويخرج منه كذلك من تعلق بالرقى غير المشروعة والتمائم بغرض حصول نفع أو دفع ضر كذلك. راجياً من المولى جل وعلا التوفيق والسداد, إنه خير ناصر ومعين.
أما خطة البحث فهي على النحو التالي:
- التمهيد: وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: فضل الإخلاص.
المسألة الثانية: بيان المصطلحات الواردة في البحث.
- المبحث الأول: شرك الأغراض الأكبر.
- المبحث الثاني: شرك الأغراض الأصغر, وفيه مطلبان:
المطلب الأول: إرادة الإنسان بعمله الدنيا.
المطلب الثاني: الرياء.
- الخاتمة.
وأما المنهج الذي اتبعته في هذا البحث فهو كما يلي:
أولاً- نظراً لأن البحث يترتب عليه- في بعض جوانبه- الحكم بالشرك أو نفيه عن العبد؛ فلم أصدر الحكم في أي مسألة من هذا البحث إلا عن دليل.
ثانياً- استقصيت أقوال العلماء بحسب ما توفر لي, وقد أطيل في ذكر بعض الأدلة وتحقيق القول فيها, وذكر أقوال العلماء, حتى لا يبقى مجال للشك في الوصول إلى النتيجة المطلوبة.
ثالثاً- ما ذكرته من الأحاديث في هذا البحث هي مما صح سندها.
رابعاً- ترجمت للأعلام إلا المشهورين منهم.
خامساً- شرحت الألفاظ الغريبة بما أرى أنه بياناً كافياً لها .
الدراسات السابقة:
لم أقف- حسب علمي- على من أفرد الحديث عن شرك الأغراض ببحث مستقل، وإنما يوجد طرح لبعض أقسامه في كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب وشروحه, أو في بعض الدراسات العلمية عند الحديث عن الشرك؛ مثل: رسالة الشرك في القديم والحديث, وهي رسالة ماجستير مقدمة للجامعة الإسلامية للباحث: أبو بكر محمد زكريا([2]) ورسالة الشرك الأصغر, للباحث: عبدالله السليم, وهي رسالة ماجستير مقدمة لجامعة الإمام, وبحث للدكتور عواد عبدالله المعتق نشر في مجلة البحوث الإسلامية([3]). وبحث "النية" للأستاذ الدكتور: عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين([4]) أستاذ الفقه في جامعة الملك سعود. ولهذا أرجو من الله تعالى أن أكون قد وفقت لإخراج هذا البحث في وقت تدعو الحاجة إلى طرحه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
([1]) هذه المقدمة من رسالة الإمام أحمد بن حنبل إلى مسدد بن مسرهد البصري, وهي في طبقات الحنابلة, للقاضي أبي يعلى: 2/427.
([2]) نشرها المؤلف لاحقاً في طبعتها الأولى في مجلدين, وهي من منشورات مكتبة الرشد بالرياض, عام 1421هـ-2000م.
([3]) نشره المؤلف لاحقاً عن طريق مكتبة الرشد بالرياض, الطبعة الأولى: 1420هـ-1999م.
([4]) من منشورات دار الصميعي بالرياض, الطبعة الثانية, بدون تاريخ.