ملخص البحث
اختلفَ السَّلفُ والْخَلَفُ في صَفَاتَ اللهَ الفَعليَّةِ؛ بين مُثْبِتٍ وَنَافٍ.
فأثبتَ السَّلفُ لله كُلَّ صِفَاتِ الكمَالِ, بحيثُ لا يكونُ هُناكَ كمالٌ مُجرَّدٌ عَن النَّقْصِ إلا وهو مُتَّصِفٌ به, وَمُنَزَّهٌ عن الاتِّصافِ بِضِدِّهِ, ويرون: أنَّه قَدْ يُوصَفُ غَيْرُ الله مَن البَشَرِ بالصِّفَاتِ التي يُوصَفُ الله بها؛ مثلُ: الفَرَحِ والغَضَبِ والرِّضَا ونحوِها, ولكنَّ هذا الاشتراكَ في الاسْمِ لا يُوجِبُ مُمَاثَلةَ المخلوقين لله فيما دلَّتْ عليه هذه الأسماءُ؛ لأنَّ كُلَّ ما ثَبَتَ لله تعالى مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ لا يُماثِلُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ, ولا يُماثِلُهُ شيءٌ, فَصِفَاتُهُ التي يتَّصِفُ بِهَا لا يُشارِكُهُ فيها أَحَدٌ مِن الْبَشَرِ؛ لأنَّ الصِّفاتِ التي يُوصَفُ بها اللهُ ويُوصَفُ بِهَا البَشَرُ, إِنَّما يُوصَفُ الله بِهَا وَصْفًا يَلِيْقُ بِذَاتِهِ تَعَالَى,وَيُوْصَفُ بِهَا البَشَرُ وَصْفًا يتناسَبُ مَعَ عَجْزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ, فالاشْتِرَاكُ إِنَّما هُو فِي مَفْهُومِ الاسْمِ الكُلِّيِّ, وذلك إذا أُخِذَ الاسمُ مُطلقًا غيرَ مُضَافٍ, فإذا أُضيفَ صَارَ مُخْتَصًّا لا يقبلُ الشِّركةَ. هذا موقفُ السَّلَفُ مِن الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ .
أَمَّا موقفُ الْخَلَفِ مِنْ هَذِه الصِّفَاتِ فهُو الإنْكَارُ لَهَا وَعَدَمُ إِثْبَاتِهَا للهِ تعالى, والدَّافِعُ لَهُمْ إلى القَوْلِ بذلك: أَنَّهُمْ تَصَوَّرُوا ـ تَصَوُّرًا خَاطِئًا ـ أنَّ وَصْفَ اللهِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُشابَهَتُهِ لِخَلْقِهِ, وَمُمَاثَلَتُهُ لَهُمْ, وَهَذِهِ أُمُورٌ يَجِبُ تَنْزِيْهُ اللهِ عَنْهَا.
والذي أَوْقَعَهُمْ في هَذَا التَّصَوُّرِ الخاطِئ: أَنَّهُمْ خاضُوا فِي معرفةِ كُنْهِ هَذِه الصِّفَاتِ, ومِنْ ثَمَّ لَجَأُوا إلى تأويلِ النُّصُوصِ ـ التي تثبتها لله تعالى ـ تأويلاً يخرجُها عن معناها الحقيقي التي سِيْقَتْ من أجلِهِ, مُخالفين بذلك منهجَ السَّلفِ الذي يتلخَّصُ في إثباتِ الصِّفَاتِ الفعليَّةِ لله دون الخَوْضِ في معرفةِ حقيقتها, فمعناها مُعروفٌ, وكيفيتها التي هي عليها مجهولةٌ, والإيمانُ بثبوتِهَا للهِ واجبٌ, والسُّؤالُ عن كيفيتها بِدْعةٌ.