الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيراً، نحمده –تعالى- أن هدانا إلى دينه القويم وصراطه المستقيم، دين الإسلام، وصراط التوحيد، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيبنا وسيدنا أبي القاسم محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار الميامين أجمعين.
وبعد؛ فقد شاءت حكمة الله –تعالى- أن يجعل علم الساعة غيباً، مما استأثر بعلمه سبحانه في عالم الغيب، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولم يثبت حديث صحيح في تحديد عمر الدنيا؛ وذلك ليبقى الناس من الساعة على حذر دائم، واستعداد كامل لاتخاذ الزاد المناسب لها، فهي الموعد المرتقب للجزاء الكامل العادل، والإيمان بذلك جزء من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر.
هذا ومع اختصاص الرب –تبارك وتعالى- بعلم الساعة لحكمة يعلمها، فإنه جلّ شأنه ألمح لنا طرفاً منها ووصف لنا مشاهدها، ووضع لها أمارات ( ) تدل على قرب حدوثها، وإيذاناً بانتهاء الحياة الدنيا وزوالها. وبذلك يكون ظهور أي علامة من علامات الساعة تذكيراً بليغاً للعباد بدنوها، ودعوة دائمة لهم للتأهب لما بعد الموت. وليس معنى كون الشيء من أشراط الساعة أن يكون ممنوعًا، بل أشراط الساعة تشتمل على المحرم والواجب والمباح والخير والشر( ).
والبحث في أمارات الساعة له أهمية بالغة في نصح الأمة، وإرشادها إلى الخير، وتحذيرها من الفتن وما يلابسها من شرور عظام، وتقديراً مني لهذه الأهمية البالغة –خاصة في هذه الأيام التي يعيشها الناس في غمرات الفتن، والأحداث الجسام التي تحل بالأمة الإسلامية، رأيت أن أخرج هذا البحث المتواضع في بعض أشراط الساعة، لكني خصصتها بما يتعلق منها بالمدينة المنورة ( ) طيبة الطيبة؛ ليرى الناس كيف تقع هذه الفتن، وكيف النجاة منها.