ملخّص البحث:
لا يختلف المسلمون -بل ولا غيرهم من أهل الكتاب- في أنّ فرعون كان من أكفر أهل الأرض وأكثرهم جحودًا وطغيانًا، وأنه عاش على الكفر ومات عليه، ولكثرة دلائل هذه المسألة ووضوح براهينها عُدّت هذه المسألة من المعلوم من الدِّين بالضّرورة، وكان القول بخلافها من أشنع الأقوال وأشدّها شذوذًا.
ولعلّ القولَ بـــــ(صحّة إيمان فرعون ونجاته في الآخرة) قد وُجِد في القرن الثّالث الهجريّ، لكنه لم يقوَ إلّا في القرن السّابع على يد رأس الاتّحاديّة ابنِ عربيّ الحاتميّ الذي تبنّاه وأشهره واستدلّ عليه، وقد بناه على النّظريّة التي وقف حياته على التّبشير بها والدّفاع عنها، وهي القول بـــ(وحدة الوجود)، التي تخلُص في جوهرها إلى إنكار الصّانع وإبطال الدِّيانات، ويتفرّع عن هذه النّظريّة أقوالٌ أخرى لا تقلّ شناعةً عن القول بإيمان فرعون، غير أنّ مزيّة فرعون -في نظر ابن عربيّ- تكمن في إعلانه أُلوهيّة نفسه، وهو ما يتماهى بصراحة مع تلك النّظريّة المشؤومة، ثمّ تلقّف هذا القولَ عنه خلائقُ من الصُّوفيّة في القديم والحديث، مردِّدين استدلالاته ذاتها على الرّغم من تهافتها؛ إذ نتجت عن التّلاعب بدلالات النُّصُوص تحت غطاء التّأويل الباطنيِّ البعيد، وهو شيء يُجيده ابنُ عربيّ وأضرابه من ذوي الخيال الجامح، ولا ريب في أنّ هذا القول قولٌ كفريّ، وأنّ التّأويل الذي استعمله ابنُ عربيّ تأويل غير سائغ ولا يُعذر صاحبه فيه.