منذ أن أدرك الأعداء قيمة الحديث النبوي وأهميته في تاريخ التشريع الإسلامي، والسهام تصوب إليه، والمؤامرات والشبه تحاك حوله، بهدف سحب الثقة عنه، وتعطيله، فيتعطل القرآن، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى إهدار التشريع الإسلامي. ولقد كانت الأحاديث المُشكلة التي يُتوهّم وجود التعارض والتضادّ بينها بَاباً واسعاً ولج منه هؤلاء الأعداء لتحقيق أهدافهم ومآربهم.
وحين قلّ اعتصام النَّاس بالكتاب والسنَّة، بدأت البدع بالظهور، واشرأبَّت رؤوس أصحابها ، وظهرت الفرق المخالفة للكتاب والسنَّة، تصديقاً لخبر المعصوم r الذي أخبر عن تفرُّق أُمَّته([1]) .
ولم يقف علماء الأمَّة من هذه الفرق موقف المتفرِّج ، بل أخذوا يُظهرون عوارها، ويُبيِّنون ضلال أصحابها ، ويدعون الضالّ التائه إلى الهدى ، ويصبرون من المخالفين لهم على الأذى ، ويُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون بنور الله أهل العمى .
وتتابعت الفرق المحدَثة بالظهور ، وأخذت المذاهب الهدَّامة ، والتيارات الإلحادية تغزو بلاد المسلمين في عقر دارهم، لا سيّما في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم وتداعت الشعوب -من كلّ حدبٍ وصوبٍ- على المسلمين .
([1]) وهو حديث مُعَاوِيَةَ t ويقول فيه: أَلا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَامَ فِينَا فَقَالَ :"ألا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الأمَّة سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ؛ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ؛ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ. وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْـوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، لا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ، ولا مَفْصِلٌ إِلاَّ دَخَلَهُ". أخرجه أبو داود في السنن 5/5، كتاب السنَّة، باب شرح السنَّة، حديث 4597. وأحمد في المسند 4/102، مسند الشاميّين، ح 16329. والحاكم في المستدرك 1/128، ك العلم. وقال بعد ما ساق هذا الحديث، وحديث أبي هريرة:"هذه أسانيد تُقام بها الحجَّة في تصحيح هذا الحديث". ووافقه الذهبي. والحديث ((صحيحٌ، مشهورٌ في السنن والمسانيد؛ كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي))؛كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:(مجموع الفتاوى3/345).
الدعوة إلى التوحيد وحماية جنابه من الشرك ومن الذرائع الموصلة له من أهم واجبات الداعية إلى الله تعالى، وهي من أولى أولوياته, والاحتساب على المنكرات الظاهرة من الواجبات على الأمة الإسلامية, تأثم بتركه, ويسقط الإثم إذا قام به من يكفي على الوجه المشروع .
والاحتساب إعذار لله تعالى, وتبليغ الحق للمحتسب عليه, وبه كمال الدين, ولولا الله وحده ثم القيام بواجب الاحتساب لعمت الفوضى, وانتشرت الضلالة, واختلط الحابل بالنابل, ولما عُرف الحق من الباطل, ولا السنة ومن البدعة, ولا التوحيد من الشرك.
ومن أجل ذلك قمت بدراسة حديث أبي الهياج الأسدي رضي الله عنه, دراسة عقدية ودعوية, لأنفع نفسي أولاً , ومن يطلع عليه ثانياً, والله أسأل أن يوفقني ويسدد خطاي إنه سميع قريب مجيب الدعوات , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..